سلام القوة وتصعيد ترامب
عقيدة "سلام القوة": كيف تُعيد واشنطن رسم خرائط النفوذ في عام 2025؟
سلام القوة: إعادة صياغة النظام العالمي في زمن الاضطراب
يستيقظ العالم في نهاية عام 2025 على مشهد سياسي مختلف جذرياً عما كان عليه قبل عامين. فبعد سنوات من التردد الاستراتيجي ومحاولات احتواء الصراعات عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، فرضت واشنطن واقعاً جديداً تحت شعار "سلام القوة". هذا المفهوم، الذي استعاره الرئيس دونالد ترامب من إرث رونالد ريغان، لم يعد مجرد نظرية سياسية، بل أصبح المحرك الأساسي للأحداث التي نشهدها اليوم، من أدغال نيجيريا إلى سهول أوكرانيا وصولاً إلى مياه البحر الأحمر.
مفهوم "سلام القوة" في العصر الحديث
يعتمد مبدأ "سلام القوة" على فرضية بسيطة لكنها عميقة الأثر: أن السلام لا يتحقق بالاستجداء أو التنازلات، بل بجعل تكلفة العدوان باهظة جداً لدرجة تمنع الخصوم من الإقدام عليه. في عام 2025، تُرجم هذا المبدأ إلى زيادة هائلة في الإنفاق العسكري الأمريكي، وتحديث الترسانة النووية، والأهم من ذلك، إظهار الرغبة في استخدام القوة العسكرية "الخاطفة" دون التورط في حروب استنزاف طويلة.
هذا النهج يرفض فكرة "الحروب الأبدية" التي ميزت العقدين الماضيين، ويستعيض عنها بضربات جراحية قاسية تهدف إلى كسر إرادة الخصم أو إجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقف ضعف.
نيجيريا.. الاختبار الأول للقبضة الحديدية

لعل أبرز تجليات هذه السياسة هي التدخل العسكري الأخير في نيجيريا. فبينما كان العالم ينظر إلى أفريقيا كساحة للتنافس الاقتصادي بين الصين والغرب، فاجأت واشنطن الجميع بتنفيذ ضربات صاروخية مركزة ضد معاقل التنظيمات المتطرفة. لم يكن الهدف مجرد محاربة الإرهاب، بل كان إرسال رسالة مفادها أن "المناطق الرمادية" التي كانت تتحرك فيها القوى المناهضة للغرب لم تعد آمنة.
هذا التدخل أثار جدلاً واسعاً؛ فبينما رأت فيه بعض القوى الأفريقية استعادة للتوازن الأمني، اعتبره آخرون عودة لسياسة "الكاوبوي" التي تتجاهل السيادة الوطنية. لكن من وجهة نظر واشنطن، فإن هذا هو "سلام القوة" في أبهى صوره: استخدام الأداة العسكرية لحماية المصالح الحيوية والأقليات، ومنع انهيار الدول التي تشكل حجر زاوية في الاقتصاد العالمي.
الملف الأوكراني: السلام بشروط القوي
في أوروبا، أحدثت عقيدة "سلام القوة" زلزالاً في أروقة حلف الناتو. فبدلاً من استمرار الدعم المفتوح والمستنزف لأوكرانيا، فرضت الإدارة الأمريكية "خطة سلام" تتسم بالواقعية القاسية. تقوم الخطة على تجميد الصراع وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، مع التهديد برفع الدعم تماماً أو مضاعفته بشكل كاسح بناءً على استجابة الأطراف.
هنا، يظهر "سلام القوة" كأداة لإنهاء الصراعات عبر فرض تسويات قد لا تكون عادلة تماماً، لكنها توقف النزيف. لقد أدركت القوى الأوروبية في 2025 أن المظلة الأمريكية لم تعد مجانية، وأن السلام في القارة العجوز سيمر عبر توافقات كبرى بين القوى العظمى، حيث تُستخدم القوة لترسيم الحدود وحماية ما تبقى من النظام الدولي.
الشرق الأوسط والتحالفات الجديدة
لم ينجُ الشرق الأوسط من تأثيرات هذا النهج. فقد شهد عام 2025 تحولات دراماتيكية، من بينها الاعتراف الإسرائيلي بـ "أرض الصومال" والتحركات العسكرية في البحر الأحمر. إن سياسة "سلام القوة" هنا تهدف إلى خلق محور تقوده واشنطن وحلفاؤها المقربون، يعتمد على التفوق التكنولوجي والاستخباراتي لردع إيران ووكلائها.
الضجة السياسية التي نعيشها الآن هي نتاج لاصطدام هذا النهج مع طموحات قوى إقليمية صاعدة. فالعالم لم يعد أحادي القطب تماماً، والاعتماد على القوة الصلبة وحده قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم يواكبه ذكاء دبلوماسي.
المخاطر والتحديات
رغم ما يوفره "سلام القوة" من حسم سريع، إلا أنه يحمل مخاطر جسيمة. أولاً، هو يعتمد بشكل مفرط على هيبة القائد وقوة الدولة، وإذا ما حدث أي إخفاق عسكري، فإن الهيبة ستنهار ومعها الاستقرار. ثانياً، هذا النهج يضعف المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث يصبح القرار بيد الأقوى لا بيد القانون الدولي.
علاوة على ذلك، فإن دفع الخصوم إلى الزاوية عبر "القوة المفرطة" قد يدفعهم إلى خيارات يائسة، مما يزيد من احتمالات المواجهة النووية أو الحروب السيبرانية الشاملة التي لا تعرف حدوداً.