🇪🇬 **احتجاجات "لا ملوك" في الولايات المتحدة:
معركة من أجل الديمقراطية أم صراع على السلطة؟**
**واشنطن – السبت، 18 أكتوبر 2025

تشهد الولايات المتحدة واحدة من أضخم موجات الاحتجاج السياسي في تاريخها الحديث تحت شعار **"لا ملوك"**، حيث نُظِّم أكثر من **2600 مظاهرة** في جميع الولايات الخمسين. ويهدف الحراك إلى التنديد بما يصفه المنظمون بأنه **تجاوز من الرئيس دونالد ترامب لصلاحياته وانتهاك للدستور الأمريكي**، في لحظة انقسام وطني حاد تعيد للأذهان اضطرابات سبعينيات القرن الماضي.
جذور الأزمة: السلطة بين الدستور والرئاسة
تأتي هذه الاحتجاجات وسط قلق متزايد من توسّع صلاحيات الرئيس ترامب التنفيذية على حساب استقلال السلطتين التشريعية والقضائية. ويؤكد منظمو حركة "لا ملوك" أن الصراع **ليس حزبياً فحسب، بل وجوديٌّ أيضًا**—فهو معركة حول هوية الجمهورية الأمريكية ذاتها.
ومنذ توليه المنصب، واجه ترامب انتقادات حادة بسبب صداماته مع الكونغرس والمحاكم والإعلام، إلى جانب تصريحات يرى منتقدوه أنها تقوّض ثقة الجمهور بالمؤسسات الديمقراطية. ومع اقتراب الانتخابات، يعتقد كثير من المراقبين أن الرئيس يسعى إلى **تشديد قبضته على مؤسسات الدولة** بما يهدد مبدأ الفصل بين السلطات.
موجة احتجاجات تعمّ البلاد
ووفقًا لشبكة **ABC نيوز**، اندلعت المظاهرات في أنحاء البلاد — من **نيويورك وواشنطن** إلى **لوس أنجلوس وشيكاغو** — حيث رفع الآلاف لافتات كتب عليها *"لا ملوك في أمريكا"* و *"الديمقراطية ليست ملكية"*.
وفي واشنطن، احتشدت حشود ضخمة قرب مبنى الكابيتول، بينما شهدت لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو مسيرات سلمية نظمها نشطاء وطلاب وجماعات حقوق مدنية. وما يميز هذا الحراك هو **تنوعه**؛ إذ يضم ديمقراطيين وجمهوريين سابقين ومحافظين قلقين من تآكل الديمقراطية المؤسسية.
البعد السياسي
يصف محللون سياسيون هذه الموجة بأنها **نقطة تحول في العلاقة بين المواطن والدولة**، معتبرين أنها تعكس **يقظة مدنية جديدة**. ويعيد شعار *"لا ملوك"* إلى الأذهان المبدأ المؤسس للولايات المتحدة — **رفض الحكم المطلق**.
ورغم الطابع السياسي الظاهر للاحتجاجات، فإنها تعبّر أيضًا عن **موقف ثقافي وأخلاقي** ضد تمركز السلطة. وتشير إلى خوف متزايد بين الأمريكيين من انزلاق جمهوريتهم نحو السلطوية إذا جرى تجاهل الضوابط الدستورية.
وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج هذا الحراك؛ إذ تحولت منصات مثل *إكس (تويتر سابقًا)* و*تيك توك* إلى ساحات لتنظيم الفعاليات وتبادل المعلومات. وهكذا أصبح الفضاء الرقمي بمثابة **المنتدى العام الجديد** الذي يحل محل قاعات البلديات القديمة في التعبير الديمقراطي.
رد الإدارة الأمريكية
قللت إدارة ترامب من أهمية الاحتجاجات، ووصفتها بأنها "محاولات حزبية لإضعاف الرئيس وتشويه إنجازاته الاقتصادية". وقال متحدث باسم البيت الأبيض: *"الولايات المتحدة بلد حر، ولكل شخص حق التظاهر، لكن لا أحد فوق القانون. الرئيس يحترم الدستور."*
لكنّ منتقدين رأوا أن هذا الموقف المتجاهل **زاد من الغضب الشعبي**، خاصة بعد تقارير عن خطط لفرض إجراءات أمنية مشددة في المدن الكبرى لمنع الاضطرابات المحتملة.
تداعيات محتملة على المشهد السياسي الأمريكي
يرى خبراء أن احتجاجات "لا ملوك" قد تُعيد تشكيل **الخارطة السياسية الأمريكية** قبل الانتخابات المقبلة. فالحركات الليبرالية والتقدمية ترى فيها فرصة لتوحيد صفوفها، بينما يدافع المحافظون عن ترامب باعتباره **حاجزًا ضد "الدولة العميقة" والنخب السياسية."**
وعلى المدى البعيد، قد تثير هذه الاحتجاجات نقاشًا دستوريًا حول **حدود السلطة التنفيذية** ودور الكونغرس في كبحها. وقد دعا خبراء قانونيون إلى سن تشريعات جديدة لتعزيز الفصل بين السلطات وحماية الحريات المدنية.
التحديات التي تواجه الحركة
تواجه الحركة عدة تحديات رئيسية:
* **احتمال قمع حكومي**، إذ قد تحاول السلطات الفيدرالية تقييد المظاهرات بذريعة الحفاظ على الأمن.
* **صعوبة الحفاظ على الزخم**، فالحركات الجماهيرية غالبًا ما تخبو إذا لم تتحول إلى مكاسب مؤسسية أو انتخابية.
* **الاستقطاب السياسي الحاد**، حيث يصف أنصار ترامب المحتجين بأنهم "راديكاليون معادون لأمريكا" لتقويض شرعيتهم.
ولكي تنجح الحركة، ينبغي أن تلتزم **بالنهج السلمي**، وأن تبني تحالفات عابرة للأحزاب، وأن تربط بين المبادئ الدستورية والمطالب الاجتماعية الملموسة.
نحو المستقبل: اختبار للديمقراطية
تواجه الولايات المتحدة اليوم اختبارًا ديمقراطيًا حاسمًا. فمن جهة يقف أنصار ترامب الذين يرونه زعيمًا شعبويًا يعيد للأمة قوتها، ومن جهة أخرى خصومه الذين يرونه **يهدم النظام الذي أقسم على حمايته**. وقد يتطور هذا الحراك من احتجاج مؤقت إلى **حركة مدنية طويلة الأمد** تعيد تعريف الديمقراطية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين. وسيعتمد مصيرها على قدرة المحتجين على الاستمرار في الضغط من خلال المشاركة المدنية والإصلاح القانوني.
وفي النهاية، تذكّر احتجاجات "لا ملوك" الأمة بمبدأها المؤسس:
أنه لا قائد، مهما بلغت قوته، فوق القانون.
وفي شوارع واشنطن ولوس أنجلوس وعبر الولايات الخمسين، يرفع الأمريكيون من جديد شعارهم الخالد:
لا ملوك في أمريكا.