«اعتقال بنيامين نتنياهو: تصاعد التوتر بين كندا وإسرائيل»
«اعتقال بنيامين نتنياهو: تصاعد التوتر بين كندا وإسرائيل»
في تطور لافت على الصعيد الدبلوماسي والقانوني، أعلن مارك كارني، رئيس وزراء كندا، أن بلاده «مستعدة لتنفيذ» مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حال دخوله إلى الأراضي الكندية. ([Times of Israel][1]) وقد فتح هذا التصريح باباً جديداً من التوتر بين كندا وإسرائيل، وهو ما يستحق الاستعراض والتحليل.
خلفية القرار
في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. ([Anadolu Ajansı][2]) وكندا، بصفتها عضواً في نظام روما الأساسي للمحكمة، تعتبر نفسها ملزمة بالتعاون مع قرارات المحكمة، حسب تأكيد كارني. [3])
وفي مقابلة مع وكالة بلومبرغ، سُئل كارني عما إذا كانت بلاده ستنفذ أمر الاعتقال إذا دخل نتنياهو الأراضي الكندية، فأجاب بنعم بشكل حاسم.
ردّ إسرائيل والموقف الرسمي
كان ردّ الجانب الإسرائيلي سريعاً وغاضباً؛ حيث وصفت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بيدروسيان، تصريح كارني بأنه «غير مقبول» ويُضر بعلاقات الصداقة بين البلدين، ودعت إلى إعادة النظر فيه.
إسرائيل ترفض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في قضيتها، وتعتبر أن مذكرات الاعتقال «باطلة» من الناحية القانونية والسياسية، وتؤكد أن الدولة الإسرائيلية تخضع فقط لأحكامها الداخلية ومعاهداتها الدولية كما تراها مناسبة.
الدوافع الكندية والمخاطر الدبلوماسية
يرى كارني أن موقف كندا ينبع من «احترام القانون الدولي وقرارات المحاكم»، مضيفاً أن هذا يتماشى مع قرار كندا الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، والرغبة في إحداث تغيير في السياسات الإسرائيلية التي «تعرقل قيام دولة فلسطينية».
هذا التصريح يضع كندا في موقع صعب، يجمع بين التزامها القانوني الدولي وبين مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تجمعها بإسرائيل من حيث التعاون الأمني والتجاري. وفي المقابل، يُعدّ القرار بمثابة رسالة قوية لدول أخرى عازمة على التعامل مع جرائم الحرب تحت مظلة القانون الدولي، لكنه يحمل مخاطرة بتبديد العلاقات التي راعتها كندا لعقود مع إسرائيل.
تداعيات محتملة على العلاقات الكندية-الإسرائيلية
تثير هذه المسألة عدة محاور للتداعي:
1. **تبادل الزيارات الرسمية**
دخول نتنياهو إلى كندا قد يصبح مسألة سياسية قانونية، إذ إن أي زيارة له ستكون تحت طائلة النظر في تنفيذ الاعتقال، مما قد يثني إسرائيل عن إرسال مسؤوليها أو التعاون الكندي في ملفات متعددة.
2. **التعاون الأمني والعسكري**
كان التعاون بين إسرائيل وكندا في مجال الأمن والاستخبارات والتكنولوجيا مكثفاً في الماضي. هذا التوتر قد يؤدي إلى تباطؤ أو تقييد هذا التعاون، إن لم يكن انسحاباً من بعض الاتفاقات.
3. **التأثير على وسط الجالية اليهودية-الكندية**
الكيان اليهودي في كندا قد ينظر إلى هذا القرار باعتباره عداءً أو انحيازاً ضد إسرائيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضغوط داخلية على الحكومة الكندية من ناحية الناخبين.
4. **الأبعاد القانونية والسيادية**
كندا تقول إنها ملزمة قانونياً بتطبيق مذكرات اعتقال المحكمة الجنائية الدولية، لكن إسرائيل تقول إن المحكمة ليس لها ولاية عليها. هذا يشير إلى معضلة سيادة الدول ومفهوم «الحصانة» لزعيم دولة، وهو نقاش طويل الأمد في القانون الدولي.
التحليل السياسي
1. **تغير في الخطاب الكندي**
تصريحات رئيس الوزراء الكندي *مارك كارني* تمثل تحوّلًا غير مسبوق في سياسة كندا تجاه إسرائيل.
لطالما كانت كندا من أبرز حلفاء تل أبيب في الغرب، لكن هذا الموقف يشير إلى **انحياز متزايد نحو احترام القانون الدولي** حتى لو مسّ ذلك حلفاءها التقليديين.
السبب الأساسي يعود إلى **تزايد الضغوط الداخلية والدولية** على الحكومة الكندية بسبب صور الدمار والضحايا في غزة، مما جعل كارني يسعى لاستعادة صورة بلاده كـ«دولة القانون وحقوق الإنسان».
2. **الانعكاس على العلاقات الثنائية**
من المتوقع أن تدخل العلاقات الكندية – الإسرائيلية في مرحلة **جمود دبلوماسي مؤقت**، وربما **تخفيض مستوى التمثيل السياسي** أو تعليق بعض الاتفاقيات الثنائية.
وربما تتخذ إسرائيل خطوات مضادة، كتعليق زيارات رسمية أو تقليص التعاون الأمني والاستخباراتي.
3. **الموقف الغربي المتذبذب**
تصريحات كارني وضعت كندا في **موضع ريادة ضمن المعسكر الغربي** فيما يتعلق بمحاسبة إسرائيل.
في المقابل، تتجنب الولايات المتحدة وبريطانيا اتخاذ مواقف مشابهة خوفًا من ردود الفعل السياسية الداخلية.
ومن ثمّ، فإن كندا قد تُحرج حلفاءها الغربيين وتدفعهم إلى توضيح مواقفهم من المحكمة الجنائية الدولية.
التحليل القانوني
1. **الأساس القانوني للموقف الكندي**
كندا من الدول الموقعة على **نظام روما الأساسي** المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وبالتالي فهي **ملزمة قانونًا** بتنفيذ أي مذكرة اعتقال تصدرها المحكمة بحق أي شخص، بغضّ النظر عن صفته.
هذا الالتزام لا يمنحها خيارًا سياسيًا واسعًا، بل يُعد **واجبًا قانونيًا** قد يعرضها للمساءلة الدولية إن تجاهلته.
2. **مبدأ الحصانة**
الجدل القانوني يدور حول ما إذا كان من الممكن **اعتقال رئيس وزراء في منصبه**، خاصة أن القانون الدولي يمنح القادة بعض الحصانات أثناء توليهم مناصبهم.
لكن المحكمة الجنائية الدولية سبق أن **تجاوزت هذا المبدأ** في حالات سابقة مثل *عمر البشير* رئيس السودان السابق، معتبرة أن **جرائم الحرب لا تسقط بالحصانة السياسية**.
3. **إسرائيل والموقف من المحكمة**
إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، وبالتالي فهي **ترفض اختصاص المحكمة** عليها.
لكن إذا دخل أحد المتهمين أراضي دولة عضو في المحكمة (مثل كندا)، فإن هذه الدولة **تصبح ملزمة قانونيًا بتنفيذ الاعتقال**.
وهنا تكمن خطورة الموقف الكندي: **إنها تنقل ملف نتنياهو من دائرة السياسة إلى دائرة التنفيذ القضائي.**
التحليل الإعلامي والدبلوماسي
1. **في الإعلام الدولي**
وسائل الإعلام الغربية الكبرى (بلومبرغ – رويترز – BBC – الغارديان) تعاملت مع الحدث باعتباره **سابقة قانونية** قد تعيد رسم علاقة الغرب بإسرائيل.
الإعلام العربي، بدوره، ركّز على أنه «اختراق سياسي نادر» يشير إلى **تآكل الحماية السياسية الغربية لنتنياهو**.
2. **الخطاب الإسرائيلي**
الرد الإسرائيلي اتسم بالغضب، حيث وصفت المتحدثة باسم الحكومة الكندية تصريحات كارني بأنها «طعنة في ظهر الصداقة».
لكن المراقبين يرون أن إسرائيل **لن تذهب إلى مواجهة دبلوماسية كبرى** مع كندا الآن، بل ستعتمد **الضغط غير المباشر** عبر حلفائها، خصوصًا واشنطن.
3. **تأثيره على الرأي العام**
تصريحات كارني لاقت **ترحيبًا في الأوساط الحقوقية الكندية**، التي رأت فيها خطوة نحو العدالة، بينما **أثارت قلقًا داخل الجالية اليهودية الكندية**، التي تخشى أن تتحول هذه اللهجة إلى سياسات أشد ضد إسرائيل في المستقبل.
رابعًا: قراءة مستقبلية
1. **إذا ثبتت جدية كندا في تنفيذ المذكرة**، فإنها ستفتح بابًا لتغيير في سلوك الدول الغربية تجاه إسرائيل.
وقد تتبعها دول أوروبية مثل إسبانيا أو أيرلندا في مواقف مماثلة.
2. **أما إذا تراجعت كندا تحت ضغط دولي**، فسيُعد ذلك ضربة قوية لمصداقية المحكمة الجنائية الدولية ذاتها.
3. **في كلتا الحالتين، تضررت صورة نتنياهو** على الصعيد العالمي، إذ باتت زياراته الخارجية محفوفة بالمخاطر، وسيُنظر إليه بوصفه «قائدًا مهددًا بالاعتقال»، لا رجل دولة حرّ الحركة.
خلاصة التحليل
قضية «اعتقال نتنياهو» لا تتعلق فقط بشخص رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل تمثل **اختبارًا حقيقيًا لقدرة المجتمع الدولي على فرض العدالة** دون تمييز.
الموقف الكندي أعاد إلى الواجهة النقاش حول **ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي**، وأثبت أن بعض الدول بدأت تكسر جدار الصمت.
ومهما كانت النتيجة النهائية، فإن هذا الحدث يشكل **منعطفًا تاريخيًا في العلاقات بين كندا وإسرائيل**، وجرس إنذار لبقية العواصم الغربية بأن زمن الإفلات من المساءلة قد بدأ يقترب من نهايته.
خاتمة
إن قضية «اعتقال نتنياهو» من قبل كندا ليست مجرد تصريح عابر، بل دفعة نحو نوع مختلف من الالتزام القانوني الدولي، لكن الطريق إلى تنفيذ هذا الالتزام محفوف بالمخاطر الدبلوماسية والقانونية. العلاقة بين كندا وإسرائيل على مفترق طريق؛ فقد تفتح مرحلة جديدة من التوتر، أو تؤسس لنموذج جديد من مساءلة الزعماء في النزاعات الدولية. وفي كل الأحوال، فإن التطورات القادمة في هذا الشأن ستُعدّ مؤشراً مهماً على ما إذا كان القانون الدولي سيترجم إلى فعل ملموس، أو سيبقى رموزاً سياسية تُطرح في التصريحات