رفع قيمة المعاشات ضرورة وطنية وإنسانية* مأساة أصحاب المعاشات في مصر: نظرة رحمة يا وطن.. معقول تبقى دي آخرتنا يا مصر؟
رفع قيمة المعاشات ضرورة وطنية وإنسانية
مأساة أصحاب المعاشات في مصر: نظرة رحمة يا وطن.. معقول تبقى دي آخرتنا يا مصر؟

في كل صباح، نرى مشهدًا مؤلمًا على أرصفة المدن المصرية، رجالًا ونساءً تجاوزوا الستين من العمر، وجوههم أنهكها الزمن، وأيديهم ترتجف من تعب السنين. يجلسون في صمتٍ مهيب يحمل وجعًا دفينًا، وكأنهم يسألون الوطن: **هل هذه هي النهاية بعد العمر الطويل؟** هؤلاء لم يكونوا عابري سبيل، بل كانوا يومًا **عصب الدولة وروحها**. كانوا رؤساء أقسام ومديرين عموم وإدارات، ومدرسين ومهندسين وموظفين مخلصين، خدموا الوطن في صمت وإخلاص دون أن يمدوا أيديهم أو يلوثوا ضمائرهم.
هؤلاء هم أصحاب المعاشات، الذين أفنوا أعمارهم بين المكاتب والمدارس والمصانع والمصالح الحكومية، يحلمون بيوم راحة بعد سنوات الكفاح. لكن عندما جاء ذلك اليوم المنتظر، وجدوا أنفسهم في مواجهة **واقع قاسٍ لا يرحم**، معاش هزيل لا يتجاوز ربع ما كانوا يتقاضونه، وأثمان تتضاعف كل شهر، وأدوية أغلى من قوت اليوم، وأبواب مغلقة في وجه كل من يطلب حقه.
رحلة الكفاح والنهاية المؤلمة
طوال أربعين عامًا وأكثر، كان الموظف المصري يخرج كل صباح، يحمل هموم بيته على كتفيه، يواجه البيروقراطية، والضغط، والظلم أحيانًا، لكنه كان صادقًا في حب وطنه.
كان يحلم أن يجد بعد التقاعد راحة البال والكرامة، لكن المفارقة المؤلمة أن **المعاش الذي ينتظره لا يكفي حتى لفاتورة دواء شهرية**.
كيف يعيش من يتقاضى أربعة أو خمسة آلاف جنيه، في وقت تجاوز فيه سعر كيلو اللحم مئات الجنيهات، والإيجارات تضاعفت، وفواتير الكهرباء والمياه تنهش المرتب البسيط؟
الكارثة أن هذا الجيل من الموظفين لم يعرف طريق الفساد ولا الرشوة، لم يسرقوا ولم ينهبوا، بل عاشوا على الكفاف بشرفٍ وضمير حيّ.
واليوم يُكافأ هؤلاء الشرفاء **بالتجاهل والتهميش**، وكأن الوطن نسي من بنوه ورفعوا رايته.
معاناة صحية بلا نهاية
السنوات لم ترحم أجسادهم، فأمراض الشيخوخة تضرب بلا رحمة، والدواء غالٍ والعلاج في المستشفيات الحكومية معقد.
الكثير منهم يقف بالساعات في طوابير التأمين الصحي بحثًا عن دواء أو كشف طبي، ليُفاجأ بروتينٍ قاتل أو نقص في الأدوية أو إهمال لا يُطاق.
أين الرحمة في وطنٍ يترك كبار سنّه يواجهون المرض والفقر وحدهم؟
أليست الرعاية الصحية حقًا أصيلًا يكفله الدستور والإنسانية قبل القوانين؟
معادلة الظلم الاقتصادي
من غير المقبول أن يعيش أصحاب المعاشات على دخلٍ ثابت لا يتغير في ظل موجات تضخم لا تتوقف. – كيف يمكن لمن يتقاضى معاشًا لا يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه أن يعول أسرة، ويدفع إيجارًا، ويشتري دواءً، ويعيش بكرامة؟ – إن **رفع قيمة المعاشات ضرورة وطنية وإنسانية**، وليس منّة أو ترفًا. فالدولة التي تكرم كبارها وتضمن لهم حياة كريمة، هي الدولة التي تحترم نفسها وتبني مستقبلها على العدل.
مقارنة مؤلمة مع دول أخرى
في كثير من دول العالم – الغنية والفقيرة على السواء – يحصل المتقاعد على معاش كريم يكفيه حياة مريحة، بل ويُعامل باحترامٍ في كل مؤسسة وهيئة. يُقدم له تخفيض في المواصلات والعلاج والخدمات، وتُقام برامج خاصة لرعايته نفسيًا واجتماعيًا. أما في مصر، فصاحب المعاش يشعر أنه **عبء ثقيل على المجتمع**، وأن الدولة تخلت عنه في لحظة كان أحوج ما يكون إلى دعمها.
نداء إنساني للحكومة والمجتمع
إن ما يعيشه أصحاب المعاشات اليوم ليس مجرد أزمة مالية، بل **مأساة إنسانية وأخلاقية** تستوجب تحركًا عاجلًا من الدولة والمجتمع المدني. هؤلاء هم من بنوا المدارس والطرق والمصانع، وهم من حملوا الوطن في أحلك أيامه. من غير المقبول أن ينتهي بهم العمر على أرصفة المدن يبحثون عن دواء أو لقمة شريفة. نطالب الحكومة بإعادة النظر في منظومة المعاشات كليًا، بحيث تتناسب مع الأسعار الحالية، وتضمن لهم حياة كريمة وعلاجًا مجانيًا ورعاية إنسانية حقيقية.
كما نطالب بإطلاق برامج دعم اجتماعي وصحي ونفسي، وتوسيع مظلة الرعاية للمتقاعدين وأسرهم.
كلمة إلى كل مسؤول
حال اصحاب المعاشات يتكلم ويقول : لا نطلب المستحيل، فقط **نظرة رحمة وعدل** إلى من أعطوا أعمارهم للوطن دون مقابل. كل جنيه يُصرف على أصحاب المعاشات هو استثمار في القيم والإنسانية، قبل أن يكون عبئًا على الموازنة. وليت كل مسؤول يتخيل نفسه مكانهم بعد سنوات الخدمة الطويلة: هل يرضى أن يُترك في الشارع يواجه المرض والجوع؟
الخاتمة
إن مأساة أصحاب المعاشات في مصر ليست قضية فئة محدودة، بل **قضية كرامة وطن بأكمله**. فمن لا يرحم شيوخه لا يستحق أن يبني مستقبل شبابه.
رحمةً بهؤلاء الذين خدموا بإخلاص وصبر، ورفعوا راية الدولة فوق كل المصالح، وأفنوا أعمارهم ليبقى الوطن واقفًا. يا حكومة مصر، **نظرة رحمة لأصحاب المعاشات**… فهؤلاء هم تاريخك، وضميرك، وواجبك الذي لا يُنسى.